Sole Music

Thursday, July 10, 2008

هناك بداخلى


توقفت للحظات على درجات السلم أتأمل المكان الفسيح الخالى من حولى. أخذت أتابع بعينى وأدور فى كل مكان وكل زاوية وكل ركن.تعجبت كيف يمكن أن يقضى الانسان مساحةً وقدراً من عمره فى مكان ما ، يزوره كل يوم ويمضى أكثر من نصف يومه فيه ولا يلبث أن يغادره حتى يعود اليه ثانية ثم يكتشف فجأه أن هذا المكان الذى ألفه وتعوده وصار جزءاً لا يتجزأ من تكوينه ربما لم يكن لديه الفرصة قبل الآن أن يتأمله ويستغرق فى تفاصيله بهذا الشكل..

تعجبت من خلوه وهدوءه فى عصر ذلك اليوم الحار من شهر يوليو وهو الذى اعتدت عليه مليئاً متدفقاً بالبشر ... مغموراً بالحياة والحيوية.
ألقى عليّ هذا الخواء والفراغ الساكن شعوراً غريباً بالحنين الجارف ... لم أدرى لماذا انتابنى فى تلك اللحظة تحديداً الاحساس بأنى لن أراه مرة أخرى وأن هذا اليوم هو آخر أيامى فيه بالرغم من معرفتى ويقينى الكامل أن هذا ليس صحيحاً وأننى لم أغادره بعد. شعرت بأن المكان ربما يكون أكثر حزناً منى وتألماً لفراقى وأن أوراق الأشجار التى لم تزل تتساقط على الأرض من حولى وأغصانها التى لا تلبث تتمايل مع دفعات النسيم الهادىء ما هى الا قطرات من دموع وأنين صامت حزناً على فراق وشيك.
غمرنى شلال الذكريات الفائته من سنوات قد مضت حملت فى ثناياها كل الفرح والألم والضحك والخوف واللعب والجرى والترقب وملاقاة الأصدقاء و زحام الحياة بمتاعبها وهمومها وصفوها. وتعجبت أكثر لهذا (الزمن) تلك الكلمة التى لم أدرك يوماً لتفسيرها معناً. كيف يمكن أن يصبح كل هذا الذى كان كائناً حاضراً أعيشه وأتنفسه أمس شيئاً مجرداً متناثراً اليوم، لا نملك منه سوى بعض فتات الذكريات والمشاهد العابرة التى تكمن فى الروح والنفس فقط والتى مهما حاولت أن تتلمس أطرافها بأصابعك وتمد يدك لتمسك بها من جديد، اكتشفت أنها لم يعد لها وجود فى حيز المكان الذى لا يتغير وانما أصبح وجودها مقصوراً فقط على حيز الزمان الفائت المنصرم... تلك البوابة التى أصبح العبور منها واليها مستحيلاً وذلك البعد الرابع الذى لا يمكنك أن تتحرك فيه... تعيشه ولا تشعر به... يعبرك هو ويمر من فوقك بذلك البطء الرهيب ولا تتمكن من ايقافه واعادته الى الوراء، حتى بعد أن ينقضى تكتشف فجأه كيف كان سريعاً وكثيفاً وعميقاً الى هذا الحد. الحد الذى كان يتغلل فى نفسك ويتخللها ويكتنفك من كل الجوانب ثم لا يلبث الا أن يتسرب منك ويتسلل الى خارجك بنفس تلك القوة والسرعة التى كان يزاحمك بها.
تعجبت أكثر كيف يمكن لهذا الشعور بالخواء والفراغ أن يكون ثقيلاً وكئيباً ومقبضاً على النفس بهذا الشكل، وشعرت بموجات من الأسى والحزن تغمرنى تتتابع كل منها خلف بعضها .. ترتفع الواحدة منها الى أقصاها ترغى وتزبد ثم تعود لتهبط وتنحسر تاركةً خلفها المجال لأخرى.

تتابعت خطاى الهادئة البطيئة المتأرجحة فى المكان وأنا أغادره.. يدور حولى فى صمته وسكونه ثم يتوقف تاركاً نفسه خلفى ليبتعد شيئاً فشيئاً....
فى المساء جلست فى شرفتى وحيدة أضم ساقىّ بيدىّ الى صدرى وأراقب النجوم فى السماء البعيدة و دفقات من نسيم هادىْ تعبث بشعرى فى حيت تركت العنان لتلك الذكريات أن تغمر عقلى من جديد

2 comments:

رؤية said...

لحظة تاملية جميلة،
وعلى الرغم من انها لحظة ،
\الا انك برعتى فى اطالتها دون ملل،
سعيدة بالتعرف على مدونتك ،
واتمنى ان تزورينى قريبا،
تحياتى لك.

""""" said...

ما شاء الله على اسلوبك يا دينا
كلامك شدنى وخدنى لتلاملات تانيه

بس انا تاملاتى كلها حزن والم
يمكن الفتره دى تحديدا فارقت ناس كتير غاليه عليا

فراقى للاماكن مش بياثر فيا ذى الاشخاص

البوست رائع واستمتعت معاكى