كان ذلك من أكثر الأفكار جنوناً التى تملكتنى.. تلبستنى الفكرة وطغت على مخيلتى بكل تفاصيلها. كنت مدفوعة بقوة الرغبة فى التجربة نفسها، أنا التى طالما استهوتنى شطحات الأفكار وجاذبية المخاطرة لم يعيقنى سوى البحث عن الشريك الأمثل لتجربة مثل ذلك، كان يدور فى فلكى أشخاص كٌثٌر.. زملاء وأصدقاء فى محيط الدراسة والعمل.. فأيهم اختار؟ تأملتهم جميعا فلم أجد أياً منهم يصلح لتلك التجربة المقدسة..كنت أريدها تجربة منزّهة مجرّدة، ولم يكن يربطنى بأى منهم علاقة قد تصل لحد الاشتهاء
------
لا أتذكر على وجه التحديد تلك اللحظة العمرية الفاصلة أو الموقف المحدد الذى دفعنى الى تغير موقفى منها، من المرور العابر السطحى لدلالتها الوحيدة على الحب، الى الامعان فى تفاصيلها وتخيل أشكالها وتتبع دوافعها وأوقات تحيُّنها ومدى اشباعها وما تختزنه من مشاعر ومعانٍ وآثار تفيض بها على أرواح وقلوب من يباشرونها
------
كان يجب ان اختار شخصاً لا تربطنى به صلة قوية حتى لا يفسد ذلك الفعل مستقبل علاقتنا.. كيف يستقيم هذا مع ذاك؟!! كيف أختار شخصاً بالكاد أعرفه وفى نفس الوقت يمنحنى جاذبية تقبيله ؟!! أىُ شخص كنت انت؟ّ!! وأى رسالة أرسلتها اليّ ؟!! وأى صدى مشحون أرجعته داخل نفسى ؟!! وتعلمت الدرس الأول، ان للقبلة لا بد من دافع، ان يجبرك شخص ما على تقبيله هو انك توّد ان تبعث اليه هو بتلك الرسالة الشفهية وترغب ان تستقبل منه انت ايضاً رسالته..
------
هل كان ذلك التحول مفاجئاً كما تراءى لى ام كان تدريجياً؟ ربما كان مدفوعاُ من حالة اللاوعى الى الحالة الشعورية الواعية بعدة عوامل وأسباب غير مُفسّرة أو مُدرَكة جعلت من تلك اللحظة الفارقة تبدو كما لو كانت قد نبتت فجأة من عمر الزمن، شجرة ضاربة الجذور، ثابتة العود، متفرعة الأغصان، وارفة الأوراق، فكأنما كانت كل مراحل البذر والغرس والسقى والنمو بكل تفاصيلها قد حدثت فى خلفية ما على مشهد من عيون أخرى لم تلتفت نحوها عيناى وتتأملها الا عندما اشتاقت الى الظل
------
هل كنت تدرك ذلك عندما قبلتنى ؟!! هل دار بذهنك كيف جذبتنى غرابة وجنون الفكرة الى حد التفكير الفعلى فى تنفيذها؟!! هل تصورت كيف تسسللَت الى داخلى واستقرت فى محيط نفسى وروحى فلم اجد فيها غضاضة ولم أجهد نفسى فى التفكير فى كيفية استقبالها؟ او فيما ستؤول اليه نتائجها؟!!
------
كان ذلك عندما اشتعل فتيل الحب فى قلبى لأول مرة فكأنما أنار اشتعاله ايضاً بداخلى مناطق خفية مظلمة لم أتعرف عليها من قبل؟!! ذهب ذلك الحب سريعاً كما جاء ولكنه لم يحمل معه أثر ما خلفتّه بداخلى تلك الحاجة الى القُبلة، الى اكتشاف سحرها وسبر أغوار مكنونها والرغبة فى تجربة الحالة الشعورية التى تخلقها أثناءها وفيم بعدها..
------
كان يوماً عادياً كنت قد صرفت قبله النظر عن رغبتى شبه المستحيلة، أقف فيه مع جماعة من الأصدقاء فى صحن الفناء الجامعى حتى رأيتك.. استغرقتنى دقيقة واحدة حتى تعاودنى الفكرة وتراودنى الرغبة.. دقيقة واحدة بعد تعارف قصير كنت اجذبك فيها من يدك الى تلك البقعة المختفية نوعا وأسّرُ اليك برغبتنى.. همست لك: قبّلنى، وانتظرت انت أيضاً دقيقة واحدة فقط نظرت فيها الى عينى مباشرة ودون الخوض فى تفاصيل كثيرة شعرت بطعم أنفاسك فوق شفتى..
------
هل خبرت يوماً كيف تندفع موجة هائجة نحو الشاطىء الصخرى فى يوم مضطرب فتتكسّر فوقه؟ هل تساءلت يوماً عن ماهية الاحساس الذى يخلفّه تحليق الطيور فى السماء البعيدة واختراقها للسحب؟!! هل تعلم ذلك الشعور الذى يتسلل اليك بعد حقنك بالمادة المخدرة استعداداً لأجراء عملية جراحية، لحظة ان تتخدر فيها أعصابك رويداً رويداً وتستسلم لذلك المسح الهادىء الطافى فوق خلاياك ؟!!
-------
فتحت عينى شاعرة بأنفاسى لا تزال تتهدج، يعلو فيها صدرى ويهبط.. وكنت أنت أيضاً مثلى.. التقت عيوننا بابتسامة أدهشتنى.. أفلتنى من بين ذراعيك ومرت لحظة وقفت أمامها أفكر.. كيف سأحاول ان أشرح لك مبرراتى.. أن أعرض أمامك كيف سلكت الفكرة طريقها الى نفسى وكيف تشكلّت بداخلى عناصر التجربة وعواملها.. وبدلاً من ذلك وجدت نفسى أسألك: لماذا قبلتنى؟ وكان عليّ فى تلك اللحظة ان اتقبل نصيبى من الدهشة
No comments:
Post a Comment