Sole Music

Friday, August 29, 2008

عذراَ فأنا لم أحبك


هذه رسالتى الأخيرة اليك... كثيراً ما تساءلت كيف ستكون رسالتى الأخيرة.. هل ستكون رسالة حب، رسالة عتاب أم رسالة وداع ، ولكن لم أتخيل ابداً أن تكون رسالتى الأخيرة هى رسالة اعتذار.

نعم أعتذر ... أعتذر لأنى لم أحبك... ليس لأنى لم أحبك كما يجب أو كما أردت أنت أن أحبك ، ولكن لأنى لم أحبك مطلقاً. نعم الآن فقط اكتشفت هذه الحقيقة.. تسألنى كيف عرفت ؟ أنا الآن أدرك تماماَ أننى لم أحبك لأننى أحببته هو، أدرك حقيقة شعورى الآن مقارنة بما كنت أشعر به معك... والفارق كبير..

بعد أن تركتنى تباينت بداخلى المشاعر والأحاسيس، فى البداية كان الصمت والمفاجأة... لماذا ؟ سؤال راح يلح على عقلى كثيراً ... هل فشلت فى أن أحبك كما تريد أنت ... أم أنك لم تشعر بى يوماً ... أم أنك شعرت بى ولكن تعمدت أن تتجاهلنى!

قادنى هذا الشعور بعدها الى الغضب الشديد.. كيف عشت أياماً طويلة أحلم بها معك فى حين كنت أنت لا تبالى... أحلامى باليقظة والمنام.. آمال ومشاريع وطموحات تجسدت امام عينى وغرقت فيها بكل تفاصيلها فكان كل ذلك وهماً كبيراً.. بعدها كان النسيان هو ملاذى ومهربى... لم أتعمده فهو كان لا بد أن يأتى...

أما الآن بعد أن عرفته هو... بعد أن تحرك بداخلى ذلك البركان الثائر المجنون من جديد... أستطيع الآن أن التمس اليك العذر... أن اسامحك ... بل أن ارسل اليك رسالة اعتذارى هذه فلم أعد ألومك... نعم عرفت انى لم أحبك.. هل تعرف لماذا؟

لم أحبك لأننى كنت أراك شيئاً عظيماً وكبيراً ومبهراً ... وأمامك شعرت بضآلة نفسى... تصورت أن هذا هو قمة ما أطمح اليه... وحاولت أن أعبر اليك بكل الوسائل والمحاولات لأكون جديرة بك، ولكن معه هو لم أشعر برغبة فى القتال ... لم أفكر بقواعد أو بقوانين المعادلة... لم أحسب بالزائد والناقص... لم أبنى خططاً ولم أبحث عن عوامل مساعدة لاتمام التفاعل... فقط تسلل حبه الىً وسبر أغوار نفسى ... وجدته بداخلى دون أن أسعى الى ذلك... تقبلته كما هو فهو ليس عظيماً جداً ولا مبهراً جداً بل هو فقط.... ببساطة وهدوء أحببته.

لم أحبك لأننى كنت أبحث عنك فى كل مكان... فلما تصورت أنى وجدتك أغدقت عليك كل مشاعرى وآمالى المؤجلة... تركتها تنمو وتزدهر... غذيتها بكل ما ملكت روحى من رغبة واصرار... قاومت اللحظة وعاندت الموقف وأقحمتك على قلبى وعقلى. أما هو فلم أبحث عنه ... لم أشأ أن أخوض غمار التجربة من جديد وبالرغم من ذلك أصر هو دون أن يدرى على أن يغرينى باعادة المحاولة... معك أنت حاربت كى أصل اليك ففشلت... ومعه هو استسلمت لشعورى نحوه فنجحت.

لم أحبك لأننى بعد فراقك تألمت... ندمت على ما كان منى نحوك... وعانيت من آثار حبى لك، ولكن معه هو أشعر بأنى لن أتألم... حتى لو تركنى ... حتى لو لم يشعر بى ويمنحنى حبه... ليس لأنى ألفت الفراق واعتدته، ولكن لأنى لم أعد أبخل بمشاعرى فهو يستحق...
تألمت معك لأنى منحتك الحب واللهفة ولم أحصل على شىء... وسعدت معه لأنى منحته الحب والصدق فمنحنى السكينة وصفاء النفس

Monday, August 4, 2008

فى منتصف العمر


تؤلمنى قدماى ولكنى لا أتوقف.... تتتابع خطاى فى وقعها الرتيب على ذلك الطريق الاسفلتى محدثة صوت طرقات منتظمة، أطرق بوجهى الى أسفل وقد ثبت عيناى على قدمى الآليتين ، تملكنى وجوم راح ينسكب على حواسى جميعها فلم يعد يصل الى أذنى سوى وقع خطواتى الجادة على الطريق.

لم أفق سوى على صوت الطرق الذى أصبح يتعاظم الآن شيئا فشيئا حتى بدا لى وكأن الدوى ينبع من داخل رأسى وليس من خارجها.... كانت رغبتى فى الاستمرار دون توقف لا تزال تلح على بنفس القوة مثلما كانت منذ البداية ولكنى أشعر الآن بأن الجهد قد بلغ منى مبلغه فآثرت التوقف قليلاً ريثما ألتقط أنفاسى ثم أعود لمواصلة الطريق.

أدهشتنى تلك الاستجابة السريعة من قدماى بالتوقف المفاجىء فى نفس اللحظة التى طافت بها الفكرة حول رأسى وكأنما تخشى ان هى تباطئت ان يغلبنى ترددى فى تنفيذ الأمر ، أرفع وجهى ببطء فتواجهنى تلك المساحات الشاسعة من سنابل القمح الطويلة على جانبى الطريق بامتداد البصر وقد تعانق لون أطرافها الأصفر مع خيوط الشمس الذهبية فكان لقاؤهما أشبه بكرات بلورية من وهج تومض و تختفى ثم تعود لتومض ثم تختفى ليبدو المشهد المهيب من حولى وكأنما امتلأ بعشرات الجنيات الصغيرة التى لا تكف عن الحركة والتنقل.
أرفع يدى لأحجب بها غزو ذلك التوهج الآخاذ عن عينى، ثمة باعث من داخلى يخبرنى بأنه قد مر على ّ وقت طويل منذ أن اتخذت قرارى ببدء التحرك فى هذا الطريق الطويل آملةً فى الوصول الى نهايته تؤيده فى ذلك التخمين عروقى النافرة وأنفاسى المتلاحقة.استطيع الآن المغامرة مع هذا التوقف الأول بأن انظر خلفى .... لا يطالعنى سوى وجه ذلك الطريق الاسفلتى الخالى الممتد حتى الأفق، أتمنى لو أستطيع أن أقدر كم قطعت من مسافة وكم من الوقت قد تبقى لى حتى النهاية.

اتذكر كيف كان قرارى بأن ابدأ خطواتى الأولى فى ذلك الطريق الطويل، كان ذلك بعد أن ضج الجميع بالبقاء فى أماكنهم فقرروا أن يغادروه الى مكان آخر يرغبونه فيستقرون فيه. أنا ايضا كنت واحدة منهم وعيت وأدركت بأنه لا سبيل لى للبقاء بعد الآن وبأن قرار الحركة كان حتمياً. برغم أنه كان جماعياً الا أن تنفيذ هذا القرار كان فردياً خالصا فلم يتفق الجميع على شىء محدد، كانت حرية الاختيار مكفولة للجميع ولم يكن ذلك بالشىء اليسير على الاطلاق، فكلما تعددت الاختيارات كلما تطلب تفضيل احداها على الآخر جهدا شاقاً وعسيراً، بالنسبة لى أدركت منذ اللحظة الأولى أن على أن أقطع طريقاً طويلاً وشاقاً وأن على أن أقطعه سيراً على الاقدام ، هكذا أنا أفضل أن تتاح لى الفرصة لأشاهد عن قرب وايضاً حتى يتسنى لى تذكر ملامح الطريق جيداً. الشىء الوحيد الذى لاأتذكره هو قرارى بأن أمضى فى هذا الطريق وحدى.

ربما قابلت الكثيرين خلال طريقى هذا ... نعم كثيراً ما تقابلت طرقنا ، بعضهم كانت طرقهم متشابهة أو ربما هكذا ظننت ولكن دائماً ما كانت تنحرف طرقهم بضعة سنتيمترات أو خطوات عن حافة هذا الطريق. استمتعت بملاقاة بعضهم والبعض الآخر تمنيت لو ربما لم تتقابل خطواتنا ولكن لا بأس ما دمت قد قررت الا أتنحى عن طريقى هذا وهم ايضاً كان من الأفضل لهم أن يمضوا الى حيث يريدون. ولكن لما هذا الطريق؟ اذكر أن احداً لم يقرر لى أى طريق اسلكه ولم يساعدنى أحد على الاختيار. كل الطرق كانت مجهولة بالنسبة لى وفى بدايتى لم أر أى علامة ارشادية ترشدنى الى أين اتجه. ولكنى أعرفه. اذكر ايضاً كيف ضللت طريقى هذا ذات مرة فى احدى الليالى المظلمة الباردة... تلمست خطاى وتتبعت احساسى وتسللت خلف عبق الرائحة المميزة له التى أعرفها وبها أعرفه. فى مرات أخرى كانت ملامح الطريق تخدعنى، احياناً يضيق ثم ينفرج وأحياناً أخرى يوالى صعوده وهبوطه المتكرر ولكنى أعرفه...

فى طريقى هذا ايضاً فقدت الكثير من مقتنياتى التى أحملها معى، بعضها سقط دون أن أدرى والبعض الآخر وضعته رغماً عنى فلم يعد فى مقدورنا المواصلة معاً ... لم أشأ أن أبقى لأبحث عما فقدته ولم أستطع أن انتظر حتى تسنح الفرصة لمواصلة حملى من جديد... فى كل مرة أدركت أن لحظة الفراق قد حانت ... حملت ورقى وأقلامى وذهبت. ربما كان ذلك جيداً لمن يجيئون بعدى ويتتبعون آثارى فيساعدهم ذلك على أن يعرفوا بعضاً من نفسى.

أعود الآن لأنظر أمامى ... أتأمل الطريق الخالى الطويل... أمد جذعى وأجول ببصرى لعلى أبصر نهاية الطريق أو أجد دلالة على قرب الوصول، ربما كان ما تبقى قليلاً ... وربما كان أطول مما توقعت... ربما لا يزال أمامى نفس المسافة التى قطعتها ربما أكون الآن فى منتصف الطريق
. .
تعالى الى سمعى وقع أقدامى ومعها تعالت فى داخلى الرغبة فى أن أبدا من جديد.